الأحد، 8 فبراير 2009

أحمد الفيتوري


أيام حياتي .....

ولدت بعسر فقد كانت البلاد قد تجنست بسم ليبيا منذ فترة قصيرة وكانت أول جامعة ليبية قد افتتحت ، عام 1955 م في حي الصابري كان الفقر روح الحياة وكان النهوض تؤمه .
درست في هذا الحي في منازل شعبية اتخذت علي عجل كمدارس وعلي ايدي مدرسين تمكنوا من محو أميتهم غب الحرب ، كنت دخلت تكية الجامع أو الكتاب وحفظت تحت فلقة الفقيه بعض ما تيسر من القرآن .
الحي منقسم علي نفسه واجهته دكاكين حميد ، حيث لوالدي دكانة وحيث بيتنا بناه وهندسه والدي، مجمل المساكن اسمنتية ، فيما ظهر الحي زرائب العبيد حيث مأوي زنوج المدينة ومن اسم الحي تتبين نوع مساكنهم . في هذا الحي الشعبي تزاوج الفن الافريقي من غيطة ومرزكاوي وبوسعديه ؛ رقص وموسيقي ... الخ وترتب عليه من جو من الانفتاح علي الجسد، وفي الواجهة جو ديني صوفي حيث هناك أكثر من زاوية صوفية أسمرية وعيسوية وتيجانية وما لا أعرف حتى الساعة .
وقد سميت علي شيخ زاوية يدعى أحمد زواوه كان صديقا لوالدي، وكذا المشرف في مدرسة دكاكين حميد الابتدائية حيث درست، والتي كان ناظرها فتحي الجدي قد درس التعليم في دورة بالجامعة الأمريكية ببيروت.
في هذه المدرسة علمني استاذي ابراهيم السحاتي – المناضل النقابي – وساعدني في اصدار أول صحيفة في حياتي؛ سميناها الشروق تلكم الصحيفة الحائطية العتبة التي أقف عليها الساعة.
لم أغادر الحي البتة فقد درست في مدرسة عمر المختار الاعدادية والثانوية ، خلائط من مدرسين كانت هذه المدرسة : ليبيون خريجوا الجامعة الليبية ،وكانوا الدفعات الاولي لها صارمون وجادون، ومنهم المطرب والفنان عطية محسن من درسنا التاريخ والمجتمع وكذا محمد الزليتني الناشط السياسي البعثي والفنان التشكيلي والديكورست بالتلفزيون الذي افتتح ساعتها في عيد الاستقلال 24 ديسمبر 1968 م علي ما أذكر ، فلسطينيون يساريون من اعضاء الجبهة الشعبية يلهجون بكلام الحكيم – فيما بعد عرفت أنه زعيمهم مؤسس الجبهة - ، مصريون من الاخوان المسلمين يدرسون الدين واللغة العربية ،ولبناني يدعى عيسى التهامي كان يدرسنا في حصته الشعر الحديث لعبد الوهاب البياتي وخليل حاوي وبدر شاكر السياب ،وفي هذه المدرسة كنا ثلة نشطة في الاذاعة المدرسية والمسرح واصدار الصحف الحائطية، منهم داوود الحوتي المسرحي ومحمود العرفي الذي يكني نفسه الآن بالشاعر المتقاعد ... وغيرهما .
مثلما داوود الحوتي سأتخذ الطريق إلي المسرح مبكرا حيث عام 1970 م كنت التحقت بفرقة مسرحية ، المسرح الحديث فرقة نشطة ثقافيا أصدرنا ومصطفي الهاشمي مجلة تطبع علي الاستنسل : الرائد ؛ هذا اسمها . وقمت بنشاط ثقافي كثير من الندوات والمحاضرات وشاركت في الكتابة للمسرح وقدمت لي مسرحية : شارع بو خمسين، كتبت دراما للتلفزيون لم تلحظ النور ومسرحيات واعددت برامج اذاعية . لحظتها كتبت ونشرت بعض المقالات بالصحف الليبية والمجلات تحت اسماء مستعارة منها اسماء نسائية وقد رد ادريس بن الطيب عن مقالة منها في ظنه ان كاتبتها امراة .
حين كنت في المدرسة الابتدائية كان أبي يشغلني كصبي تاجر لذا عزلت عن طفولتي ولاجل ذلك سمح لي بشراء مجلات الاطفال والاطلاع عليها ، اثناء بناء السد العالي جعلني ابي اشتري المجلات السياسية كنت اقراء مجلة المصور له وغيرها من الصحف وكان اصدقاء ابي من الشباب الجامعي الذين كانوا ساعتها الجيل الصاعد ، كانوا تلة مثقفين منقسمين بين طه حسين ومحمود عباس العقاد وبعناد الصبي اخترت توفيق الحكيم من قرات روايته : عودة الروح لأن جمال عبد الناصر اشاد بها وقال عنها : لقد شدت من عضدي كي اقوم بالثورة من أجل مصر ؛ هذا اطلعت عليه في مجلة الاطفال : سمير .
في فترة المسرح الحديث الاولي صنفت كاخواني باعتبار اهتمامي الديني ساعتها وكنت نشرت مقالاتي تحت الاسماء المستعارة تناصر المرأة ولكن من منظور اسلامي مستنير كان ذلك في مرحلة المراهقة مثل مقالة : هل الطلاق حلال ؟ ، ولعل كون أبي متزوج امرأتين جعل للموضوعة في نفسي هوى.
وقد نشرت في جريدة الحقيقة في اخر اعدادها مقالة وكنت في السادسة عشر تحت اسم نسائي ؛ كان للاسم النسائي انذاك القا خاصا. وكنت اتقنع تحت اسماء من جهة لصغر سني ومن جهة أخري لحماية نفسي حيث كتبت مرة انتقد فرقة المسرح الحديث الذي كنت عضوا فيه فوجهت بعاصفة هوجاء .
تعلقت بكتابات أنيس منصور الصحفية خاصة عن المسرح العالمي ورحلاته وما يكتبه كامل الشناوي من نثر وشعر ، لكن صعوبة حصولي علي الكتب جعلتني اتعلم سرقتها ، من المركز الثقافي المصري وكذا الليبي ، مرة اكتشف ذلك مسؤل قاعة القراءة في المركز المصري فأمسك بي وادخلني علي مدير المركز الذي عاملني بلطف وطلب مني أن اتيه كلما اعجبت بكتاب واردت اقتناه كي يهديني نسخة ، لكن خجلي وشغفي جعلاني لا استطيع ان اطلب منه اكثر من نسخة في الشهر تقريبا أما بقية الايام فكنت اسرق ما يحلو لي من الكتب ؛ لقد شغفت حتى الساعة باقتنائها ، وكنت اقراء في اي وقت حتى اني قرات عام 1970 صباح يوم العيد رواية الشيخ والبحر ، ولم التفت للعيد والتعييد مما جعل والدي يعنفني ويرمي بالكتاب.
شغفي هذا زاد صبغة بشغف المسرح حيث كنت وزملائي نصرف من جيوبنا ونعزم ضيوف المسرح الحديث في بيوتنا ، ونقضي نهارنا وجزاء من ليلنا في مقر الفرقة ومن الرفقاء المخرج المسرحي علي بوجناح والتلفزيوني علي محمد المصراتي من اخرج المسرحية اليتيمة لي : شارع بوخمسين التي مثل بطولتها علي ابوجناح. في المسرح لما ارادت الدولة دمج الفرق رفضنا ذلك ونجحنا ولهذا اقمنا اسبوعا ثقافيا و كرمنا ثلة من فناني وفنانات وكتاب البلاد ، كان ذلك مطلع عام 75 .
بين مسرح وصحافة كنت لحظتها أحيا، وموظفا صغيرا في مخزن لوزارة الصحة واقبض راتبا قدره 30 دينار تصرف علي الكتب والمسرح ولذا كنت مفلسا طول الوقت مما ارغمني علي حب المشي ما صار غيتي الي اللحظة. وفي المسرح هذا ساتعرف علي شباب من طرابلس منهما علي الرحيبي الشاعر وعمر الككلي القاص حيث سنساهم مع جماعة كتاب شباب من بنغازي منهم القاص عبد السلام شهاب في اصدار صفحة ثقافية في جريدة الفجر الجديد : افاق ثقافية – كتابات شابة ، يومها كان عبد الرحمن شلقم رئيس تحرير الجريدة وهو الذي كان رئيسا لتحرير جريدة الاسبوع الثقافي ساعة قبض علي وجملة من الاصدقاء والزملاء الصحفيين والكتاب كانوا 18 شخصا، في ديسمبر من عام 1978م واتهمنا جميعا بالانتماء لحزب ماركسي لينيني يهدف للمساس بمكتسبات الثورة .
ما علينا ... كنت في السجن مساهما في نشاط ثقافي يتخذ كل متاح إلي ما ليس متاحا وبفاعلية مركز الدائرة ؛ اصدرنا صحيفة القبوية – نسبة للقبو الذي كان يضم زنازينا – شعارها: القبوية صحيفة لا تبحث عن الحقيقة وان قالت الحقيقة فإنها مصادفة وقد حدث ذلك ، الصحيفة مكتوبة علي ورق السجائر في نسخة واحدة تتداول بين القراء، ثم اصدرنا صحيفة علي غطاء سرير أبيض – انصولة - ويكتب عليها بالفحم ، كذا مجلة النوافير التي اصدرت كتابا مع كل عدد منها : ضمت المجلة دراسة عن اخراج المعارك العسكرية في السينما الجزائرية .. الخ ،كما ضمت الكتب : فيلم عودة مواطن - اراء في الفلم من قبل عدد من السجناء، وكتاب عن العقلانية واللاعقلانية في الفكر العربي ودراسة عن التصحر في دراما التلفزيون العربي وترجمة لكتب عن الايطالية والانجليزية والفرنسية منها الرواية ومنها الدراسات التاريخية والفكرية... الخ ، الاصدرات تتم علي ورق السجائر ومن نسخة واحدة والموضوع الواحد يكتبه مشاركين عدة ومن اختصاصات مختلفة. وفي هذا كتبت دراسات عدة نشرت الكثير منها ما بعد السجن في مجلة الفصول الأربعة وبعض المجلات العربية كمجلة الكاتب الفلسطيني ومنها دراسة في أصول الفكر المثالي العربي متخذا من اغتيال حسين مروة نموذجا وعنونتها : من قتل حسين مروة ودراسة في أدب خليفة التليسي صدرت في كتاب عن الشعر العربي ، حرر بالمشاركة مع عدد من الزملاء وكان عنوان الكتاب : جدل القيد والورد في الشعر العربي. سوف اصدر في التسعينات كتابا من تحريري بنفس الاسم جدل القيد والورد – ستون يوسف الشريف .
البقية ....