الأربعاء، 11 فبراير 2009

أحمد الفيتوري

وردة في الجحيم

نص لن يكتمل

استيقظت حمامة البرتقال
في بلدة سوسة
علي هدير البحر .
هديل الحمامة
أيقظ الروح.
في طرابلس
استيقظت خرساء،
بددت الأحلام،
أقلعت عن البرتقال؛
حمامة البرتقال.
استيقظت
علي سفح الريح
في شارع الإذاعة،
من فرط الحيرة
أفرطت روحها
في الإصغاء لموسيقي الصمت.
من فرط الصمت صاغت رجائها:
خليني في ظلك،
كن جديرا بي
كي أطير..
في الغبش
استيقظت الحمامة وطارت.

بسمة الروح

سوسة مسروقة من زبد الموج. من هدير بيسدون؛ من دسها في ابطء الجبل الأخضر، بين سنابل شعره من شماري وبطوم، حيث ترعرعت سوسة الليبية التي هي وشوشة افروديت في محارة الأبيض المتوسط ، حيث صرع كيوبيد مما صنع، وكابد الحب؛ اله الحب من دمائه التوت البري ما سمي بالشماري في سوسة هذه – من كان نبضه من حبَ البطوم.
علي سفح من الجبل الأخضر سُفح الدم الأزرق ، طبول تدق نبض سوسة، ليلة هدر الأبيض ؛ الأبيض من الخيط الأسود ، انسل هلال بسمتها، وطار يمام تنهيدتها، انبثقت أبولونيا مما مضى.
فيما حدث : ترادفا البدن والروح/ الروح عصير البرتقال / البدن لذوعته. دو ري العود خلود الروح، ومي فا الوتر دوزنة البدن.
ساحت بسمتها وذابت في ريقي ، بسمتها صمت الموسيقي ؛ الموسيقى انبثاق بسمتها. تهيأ لبسمتها مسرح أبولونيا، جوقة أبوللو ، راقصات المعبد ، موقدي المشاعل، ضاربي الدفوف والمبخرون، الحسناوات الثلاث، أرسطفيوس وكل أتباع مذهب اللذة.
أطلَ كوكب بسمتها محفوفا بوصيفات من نجوم برنيق، محروسا بفرسان قورينا، مزنرا بالإكليل والزعتر والشيح وعلي رفة صدر بسمتها رشقة من السلفيوم . مزامير يونسيوس تتلي في سموات عليا.
خيلَ لي .. بسمتها لي.
ساعتها مسرح أبولونيا عاجٌ بالآلهة وأنصاف الآلهة، سنابك خيل، هدير بيسدون .
بسمتها انبثاق الموسيقي.
بسمتها يتهيأ لها نبع أبوللو ، مسبح كليوباترا، فنار أبولونيا.
النبع الحكمة التي تنبع من مبسمها والمسبح انكسار الضوء علي المضحك وبريق خد الماء ومن قماشة مضحكها فنار أبولونيا.
كالبرتقال مضيئة بسمتها، زيت الزيتون يتلألأ علي ضوء فجر بسمتها، رفة شقائق النعمان عند مسبح الجبل الأخضر قرب منارة سوسة حيث مرقد الحسناوات الثلاث عند تلاطم موج الأزرق في مسبح كليوباترا شعت بسمتها. هناك انقشع الليل وانفلق الصبح وطوحت الشمس سنابل شعرها، هناك لمعان البحر من ذهب بسمتها ومن بسمتها نور الصخور المحطوطة علي الشاطئ كي تهدئ لوعة الرمل المشع ببياض بسمتها. هناك دفء شاطئ سوسة من دفء بسمتها، ومن بسمتها استكان البحر هناك وعمني العمى. ومرتبك البحر وفاقد الزمام هناك من هول ما رأي . أعمتني بسمتها ، عمني هدؤ المستريب وقلق من تدب فيه الحياة: أرجوك لا تجعليني أنهض من حلمي لقد استنفذت كل جهد وطاقة كي أصل إلي هنا ولقد استثمرت كل غبش وكل كابوس لأجل ذلك.دعوني في حقول بسمتها حيث حاصدوها مذهلون وحيث لا أنا هنا .

عزلة القمر

بسمتها البدر، القمر قشع النجوم وقد تصير بدرا، الهلال قشع منها ما قشع لكن القمر في تمامه كان وحيدا، يا لعزلة القمر.
القمر لا مثيل له ، بسمتها لا مثيل لها .
القمر في معزله ظن أن في ضوئه الشقاء ، دس جسمه شيئا فشيئا في رداء الليل حتى محق ذاته ، الظلمة كانت معزله، في الظلمة كان القمر قمرا ووحيدا وكانت بسمتها لا مثيل لها .
كان القمر يضيء الجانب الآخر دون دراية ، قالت السماء للقمر أنت تكفيني ، قالت الأرض للقمر أنت مرادي . قال العشاق في عزلة القمر لمَ شملنا وغنوا جمعا يا فضاح لم شملنا .
عزلة القمر كما بسمتها لا مثيل لها .
كنت أداري محنتي وسط لمة فيها العرق خلائط من وجع وضيق وقلة حيلة ، كنا عشرين في مربوعة؛ ساحة من أربعة أمتار في أربعة وباب من صلب موصد وحرس يذيقوننا المرْ.
في سجن بورتا بينتو في طرابلس الغرب كتاب سرد وشعر ونقد وصحافة؛ كان العشرون في زنزانة جماعية.
أتنفس ما ينفث زميلي من ثاني أكسيد الكربون ويتنفسني، والجسد المعجون من لحم مهروس ومن مسام نضاحة تنفث عرقا لزجا ممزوجا برطوبة يعبق بها المكان .
في علبة السردين الكل لا أحد، في ذلك المسلخ كنا نقضي يومنا بسعاته المئة أو أكثر، ولم تكن الكوة كافية لإخراج نفاياتنا ، لكن الحرس القساة يترصدوننا، تذمر ما أو توجع أو حتى لو صح وأن اتخذنا الغناء متراسا فإن العقاب جاهز، بعد توبيخ ولكز بمؤخرة البندقية يجرجر الواحد منا للزنزانة الانفرادية .
كنت غائبا عن الوعي وفي سريرة نفسي وجدتها : عزلة القمر.
أن تنفرد في زنزانة انفرادية مساحتها متر ونصف في متر. لهذا رفعت عقيرتي :
يا زهرة الياسمين فكرتينا
بسمته وأيام من ماضينا
طخ طربق فتحت أقفال الزنزانة الجماعية اندلف الكليزة كما كنينا الحارس، جرني من رقبتي وبعقب البندقية دفعني حتى كدت أقع ، سحبني حتى الزنزانة الانفرادية وهناك طاخ طربق قفل الباب وتربس القفل : في عزلة القمر تنفست الحرية.
أنا كليوباترا
أنا كليوباترا
أنا الملكة.
ما مرادك مني
- لقد ابتليت بك
ما بي مرض
أختلس الطرق
كل الطرق
كي أكون حمام كليوباترا.
أنا كليوباترا
أنا كليوباترا
أنا الملكة.
كف الموج
كف مراسيلك.
أنا عزلة القمر
كليوباترا.
في سوسة عند مسبح كليوباترا تنفست بسمتها، بسمتها البدر.
حمام كليوباترا في بولونيا في البحر لكنه معزل الملكة عن البحر ، نحت في صخر البحر الصلد حيث تتمكن الملكة من البحر و لا يتمكن منها . بسمتها خمارها تذود به عني، خمارها الشفاف ما ينبثق عن حديقة خدها ، ما يكشف لؤلؤة المحارة.
كنا عند عتبة المحارة دراويش الليل في سوسة نتسكع ، مصابين بالعطش للخمر؛ الشاعران سالم العوكلي وعبد الوهاب قرينقو والرسام فتحي الشويهدي، جوالة بهم دوخة المكان وبي سكر بسمتها. بين حيوط أنهكها الدهر وأجساد معطوبة بانتظار ما يأتي ولا يأتي وتحوطنا أرواح هائمة . عند المتحف ثمة مبني منهار من آثر النسيان، مبني صغير شيد من حجر الجبل وعلي عجل ، في المبني باب صغير كشق لا يري يشير إلي أن ما لم تتمكن من رؤيته هو دكان علي أرففه ثلاثة علب شاي، ثلاثة علب زيت ، وعلبتي طماطم أو هكذا شبه لي . دهش عن ما لم ير بما رأي : بالفحم خط ، بخط ضخم وغير دقيق، علي واجهة المحل ؛ الحائط الكائن المليء بالتجاعيد والأخاديد: جمعية الخلود.
سوسة هذه كأنها بلد الخالدين المنسيين؛ أبولونيا هذه مدينة أبوللو جبانة لأله الموسيقي هذا أم أنها محفل اللا موجودات؟.
أخرج كاميرا الموبايل والتقط المشهد . لاحقه صاحب الدكان حامل كنية جمعية الخلود : إن فيما وراء التصوير خير فلست في انتظاره وان شرا فقد ثقل القلب وانحنى الظهر من زمن الشر هذا ؟. هكذا قال شيخ البحر من خرج من فجوة الحائط ؛ خيل له أن الرجل قد فرَ من رواية أرنست همنجواي وجاء كي يسترد السمكة التي سلبها البحر منه .
قلت أنت مرادك الصورة وأنا مرادي الأصل. استضافنا الشاعرين والرسام وأنا علي كوب شاي تحت مظلة جمعية الخلود. واستطرد في مسرود تتخلله بعض الأشعار مما يحفظ وما قال ؛ كانت عراقية كأنها سمكة بوري أو دلفين أو قرش بل هي جمع هذا وزيادة. لم أعرف – أنا قريتلي معجون من طين كريت وماء البحر؛ سكبتني أمي من وجع علي سفح الجبل الأخضر فانزلقت من رحمها بمائي إلي البحر، خلقت غصبا صيادا، ولم أعرف لصيد الحورية العراقية طريقة . لأجل عينيها فتحت جمعية للمواد الغذائية ، في البلاد، المؤممة كل شيء، لا يتسنى أن تحصل علي غذاء يومك دون كتيب مشترك في جمعية عامة ، هكذا تسني لخلود العراقية غذاء يومها مني ولهذا كنيتُ الجمعية بسمها . ولم يكن ثمة زبائن غيرها يأتون هنا؛ الآخرون أوصل نصيبهم لبيوتهم . هذا – وأشار للبناء المتداعي – خلوة حبي . الحب كالتصوف لا بد أن يعتزل؛ ما رأيت عاشقين في غير عزلة.وحيث ليس لنا وجود عنده مسترسلا قال : كنت بحاجة لبسمتها ، وإن لم توجد كنت خالقها فإن وجدت عاشقها. عادت للنهر وقد ضاقت بالمالح وجال بالعراق ما جال من يومها لم أشاهد التلفزيون، ولا تركت مقعدي لأحد. منحت نفسي لذكراها وجسدي لخلوة الحب هذه ؛ جمعية الخلود.

وردة في الجحيم

كلُ شيءٍ فيها
وردٌ؛
الحديقة ُالسكرانة ُ
بوردها.
بسمتها كالنحل يجني العسل بتؤدة من فاه الزهرة الناعسة. بسمتها كالنحلة تلسعنا برحيقها فتذوب في ريقنا حلاوة الحياة وتستيقظ الروح.
بسمتها كالحمامة تشاركنا البيت كي نطير فيها وتنبجس في النفس شساعة الكون.
بسمتها كالظل نرتكن إليه من سطوع الضوء، بسمتها كالحلم ينبثق منا ليرطب شغاف النفس.
أو كالسنونوة.
كذا غرد خارج السرب ، في نفسه أنه غلغامش حصل علي الوردة ولكن الحية سلبتها منه . هاله أن لم يكن بمستطاعه فضح السر لحارس سوسة فتركه في غيه ، في نفسه أنه مرآة الظلام .
نهار سوسة أشباح من صوان؛ حسان ثلاث يتهادن في مخمل من حجر، باتوس ملك قورينا يقف وسط المتحف كي يلفت الأنظار ويركزها نحوه مثل أي طاغية مكمنه السماوات العليا .
جلت فيها كما جالت بسمتها فيَ وعند حائط المعبد اتكاء قلبي التعب .
كانت قوريني قد قاومت قوات بطليموس عند استيلائه علي قورينايئة وأسهمت في ثورة 313 ق م ، وكان يتعين معاقبتها ولكن إزاء كونها أعرق مدن قورينائية وأعظمها شأنا وأوسعها شهرة في العالم الإغريقي فإنه لم يكن في وسع بطليموس أن يعاملها علي نحو ما عامل مدينة برقة . ولذلك ولكي يحد بطليموس من خطورتها دون إذلالها، اكتفي بتقليم أظافرها ، وذلك بأن فصل عن هذه المدينة ميناءها، ورفع هذا الميناء إلي مصاف المدن، وأطلق عليه اسم أبولونيا نسبة إلي أبوللو كبير آلهة قوريني. وصار شعارها الكبوريا وسكة عملتها .
في أعالي سوسة يرقد أبوللو ممسكا قيثارته جاعلا من سكانها عباده والجبل الأخضر حاميها. ولم يكن كاليماخوس القوريني شاعر الإسكندرية بعيد عن ذلك المكان ، كان شاعر أبوللو المختار- ليس في موقع رأسه فحسب في قورينا، بل حيث ثمة عارف للغة الإغريق . لهذا وجدته في حافظة أحد أطفال سوسة القريتليين يتمخطر دون أن يعيرني أي اهتمام ، كان كاليماخوس هائما في أبوللو وقيثارته، وكنت هائما في بسمتها. حينها تسني لقوس قزح أن يفلق فضاء سوسة ،أن يستعير من أريج بسمتها رونقه كذا عند الأفق قرب فندق المنارة ، من نوار مضحكها شكلت النوارس بياض البحر المتوسط.
عند الربوة التي تعلو حمام كيلوباترا اتخذ كاليماخوس مسرحه لم يكن ثمة أحد غير صمت الكون وفضول الكائنات ، كان ذهول كل أحد محتشدا في ساحة الميناء عند أسفل الربوة .
وكان وجودي مكثفا وأثيريا عند مطلع بسمتها حين أخذ كاليماخوس ينشدها :
أسلك طريقا لا تطؤه العربات
لا تقد عربتك في إثر الدروب التي يسلكها الآخرون
و لا تسلك الطريق العام
و لا الطرق الواسعة
بل طرقا لم يطأها أحد
وإن كان دربك أكثر ضيقا
وإن أكثر وعورة
ذلك لأنك تتغنى لمن تفضل صدح الفراشة العذب
ليس لمن يطربها أي نهيق .
فلينعق الآخرون
ولأبق أنا رقيقا أحلق في الأثير
نعم ، حقا نعم ، لأتغنى مقتاتا قطرات الندى.
وبمشيئة ربة المخاض إيليثويا خرجت عارية من أمك
لكنك تقفين في باروس تزينك الحلي وترفلين في أردية
البرق ، ومن خصلات شعرك دائما يفوح العطر .
هيا تعالي وباركي أشعاري الإليجية بعطر يديك كي تخلد خلودا أبديا .
بعد أن تهت في دروب سوسة عدت من متاهتي ممسكا لجام الدرب : ما الذي جئت تفعله في بلاد الهي المفضل قال كاليماخوس.
لم أفطن لأحد صاعقة بسمتها أذهلتني عما بي وما يحوطني ، لكن قيثارة نبهتني ؛ ساعتها وعلي بعد خطوات بحرية سونسيوس القورينائي كان يخط مدائحه الفلسفية في القيثارة: هيا انشدي أيتها القيثارة الصافية الرنين. استمع إلي نشيد الجدجد وهو يشرب ندى الصباح ، ها هي أوتاري ترنَ من تلقاء نفسها ومن حولي يسبح صوت نبوي فأي نشيد سيولده ألم الخلق الرائع هذا ؟ .
معزوفة بسمتها علت ولم أطلها؛ كلما خلت نفسي طائلها زادت في غيها ، عند مسبح كليوباترا لؤلؤة محارة كانت ، عند الجبل في الغابة حباحب، عند السفح عواء الذئبة الشبقة وحمحمة الفرس التي يشدها قيد الحقل. كان سونسيوس الفيلسوف ابن طلميثة قد صار مطرانا علي ولاية برقة. أما كاليماخوس القورينائي فقد كان مديرا لمكتبة الإسكندرية ، لكن حنينه إلي قورينا لم ينضب : ... إذ أنها كانت المدينة الوحيدة التي تعرف كيف تشفق . لكن هذا ما قد يكون دافعه في المقطوعة الإليجية لمدح خصلة برنيق :
وذلك حتى تطفو قطعة الحديد المصهورة الضخمة
التي غاصت في البحر
وحتى تلد باللاس طفلا
وحتى تدخل أرتيمس عش الزوجية
سوف تبقي أجمل الأشياء من أجل برنيقي .
أيتها البطلات ، يا سيدات ليبيا اللائي يحرسن وطن الناسومونيين وشواطئهم المترامية ، هبن المزدهرة مجدا أوفر .
وكانت بسمتها مسقط رأسها برنيق؛ التي ستوهب اسما جديدا هو بنغازي ، كما وهبت أبولونيا اسم سوسة، وقورينا شحات..

وهكذا .

ليست هناك تعليقات: