الأربعاء، 11 فبراير 2009

أحمد الفيتوري


.. وكذا حبيبتي في الشعر
[ أي جني علّم هذا الشاعر
ان ينظم آلاء قلبه، شعراً ؟. اوفيد ]

(1 )

الشعر هو النفس؛ النفس التي لا نعرف لأننا نحبها عادة دونما حاجة لمعرفة سقراط، لهذا الحب هو صيرورة هذه النفس. وحيث نجد الحب نجد الشعر لذا بيت الشعر البسيط، حيث من الصعب منال هذه البساطة التي هي نفس الكون؛ أو بالاحرى كون النفس الذي تشتد ظلاله كلما اشتد الضوء؛ الحب.
كنت قد جئت هذه الأشعار المضمومة بين كفي هذه الأوراق كما لم أجيء، فالحق كنت أقرأ فيها عيني حبيبتي؛ اللتين لم يتسن لي مرة أن نظرت فيهما كما رأيتهما في هذه الأشعار- بطبعي الخجول المتقنع بسترة المهرج- التي نطالعها، في حالة كحالتي، كما يطالع المنجمون النجم، نستلذ الطالع.
حسبي أن فيها خلجة من خلجاتي؛ لهذا فكل ما نختاره يختارنا من حيث أننا نستلذه، فأشعار الحب نحبها لأنها أشعار حب حسبها ذاك، وان كانت ساذجة بسيطة فالمهم أنها نار تدفيء الوجدان وتضيء الفؤاد. كلما كانت غير مهذارة لوعتنا، كلما تشع بهسيس نارنا كلما لذعتنا، كلما تلعثمت فصاحتها شع جمرنا، كلما سكتت بحنا بولعنا.
الحق أقول لكم: هذه الأشعار ليست من الشعر إلا لأنها دوح سرنا؛ السر لم نبح به لأحد فقد كفانا نباح دمائنا ذلكم. وتخربش فينا كما تخربش قطة البيت المدللة سجادة غرفتنا الأثيرة، نكتمها كلما دغدغت فينا مسرات، مسرات ندسها حتى عن النفس، ونصدع بها - كما صدع فيتاغورس- كلما وجدتنا أو وجدنا النفس الجزيرة المجهولة التي لا يهتك خبائها غير الحب.
هذه الأشعار تقولنا كبشر؛ ذرة في فساحة الكون الفسيح، نجمة تضيء ألاف السنين، كروح تسبح وقد تفتت إلى ذرات، كثيرا ما بهرنا ضوئها وأنار الدهشة فينا، فغدونا من جديد أطفالا مسكونين بالغبطة، هذه الأشعار هي ضوء النجمة التي خبت منذ أمد، وهي كشاف النفس غير الدعية وغير المتملقة؛ البئر الأولي التي تدفنها رمال العقل المجحفة؛ حالة التصحر التي نزهو باختراعها.
الحق أقول لكم هذه الأشعار ليست من الشعر إلا لأنها هي الشعر؛ سر الجسد ما هو من أمر الرب، الجسد الذي هو أنا وقد عدت دون حاجة لمرآة؛ أراني في عيني حبيبتي.
غدوت الآخر؛ أنا السر الذي لم يبح لي بمكنون سره، السر الذي يتمشى على رجلين كلما تسني لي مرآه اغتبطت، هذا الحبيب الذي غيابه غيابنا وحضوره الحضور فينا، هذا ما يتجلى في هذه الأشعار كما لا يتجلى أبدا.
والكثير من غير ذلكم من شعر هو شعر يلهج بالخطل والخطر يلهج باللسان، و لا يتصورنا غير عقل يعقلنا، وكأننا البعير يعقل مخافة الضياع في صحراء الوجود.
هذه الأشعار تستعيدنا من السفر إلى.. إلى السفر فينا؛ فالتغزل في الحبيبة استعادة الذات من التيه، والتغزل في الحبيبة تبديد للسرب التي تأخذنا عن البئر الأولى؛ الجسد حقيقتنا المبددة هنا وهناك.
وهذه الأشعار هي تميمة ومدائح هذا الجسد لهذا فكأنها مرآة النفس وقد تفتحت، فقصائد الحب حافظة توقنا في أن نكون في الآخر ولهذا تردد وتحفظ ما بين بلوغ جسدنا حتى هلاكه.
هي ديوان الشعر في وبكل اللغات واللهجات المدونة والشفهية.
في شبه الصحراء دليل الحياة شقائق ربيعها، والحياة هذه الشبه صحراء دليل الحياة فيها الحب الذي ندسه عن الزمن في الشعر.
كل يوم رأيتها أو لم أراها، في قصيدة حب قرأتها أو كتبتها التقيها، وما ألتقي؟ ؛ الوجود الذي يتسرب من بين الأصابع، أنا حيث لا ألتقيني في غير لقياها، فالوجود غير مهيأ لوجودنا، أولئك صحاب هذه القصائد من يهيئ الوجود لوجودنا؛ من يرشون الأكسجين في دمائنا، مصفاة الغبرة من هوانا.
ماهية الشعر في هذه القصائد الحب، حيث الشعر, كزرقة السماء دون كلام, الشعر غير المنشغل بماهيته، هل فكرت مرة وأنا أختار قصيدة حب لكِ في غير أنها قصيدة حب لكِ.
هل عندي وقتها، أنا المدهوش بها، غير عينيها بهما أرى ما لا أرى، في حالتي الشعر يكتبه قارئه، في حالتي من يختاره.
قصائد الحب من الشعرية الغنائية في كل اللغات ومنها لغة العيون، هي في حدائق الكون النجوم يشتد ضوئها، يسطع وجودها كلما بان الكون غير موجود، وتلهج بهسيس الصمت الصاخب؛ أليس كل عاشق بيت نفسه الليل، حيث يدس ضاجه في سكون الليل ؟.
العاشق طفل يخبئ حلوائه عن الآخرين وكل قصيدة حب هتك لخباء هذه الطفولة، لهذا فقصيدة الحب بيانو القصيدة الغنائية؛ ثمرة الشماري التي يعريها لونها وتذوب في اليد، الخوخة تنتظر الفم، ويشم مذاقها، الخوخة تنتظر اللسان، وبرية تسمى التوت البرى، الخوخة تنتظر عناية مركزة، الشماري ثمرة سفح الجبال والغابات البكر وكذا حبيبيتي في الشعر.
كذا الشعر في قصائد الحب أغنية عارية؛ الذات مموسقة، سيمفونية الكون الغائب في نفسه؛ الجسد يبوح بسره.
في هكذا قصيدة؛ الشعر هائم في الحب، الحب هائم في الشعر، هارموني النشاز الذي هو تمرد بتهوفن على بتهوفن، نسيان الحبيب لحبيبه حتى يخرجه منه ليلتقيه، كسر العازف الوتد ليستولي الوتر على مسافته؛ على مسافة سكوت فيروز وقد أخذت الأغنية تغني نفسها، فيروز من تهوى حتى دون أمل، وشفاه حبيبتي تغريني بشهيات القبل.
في هكذا قصيدة الشعر هائم في الحب وبالاحرى في المحب، فيكم.

( 2 )

الشعر في هكذا نص يلتقينا، الشعر في حالتي فصيح فصاحة البكم. وهذه الأشعار المختارة لم أختارها للشعر، اختارها القارئ فيَ لها.
هكذا هذه الأشعار ترشح بالحرية؛ حرية المريض بالحب الذي يستعين على الحب بالشعر.
الشعر الذي ليس من الكلام هو الكلام، والحب الذي ليس من الوجود هو من وجودنا؛ وإذا التقي الذي ليس من الكلام بالذي ليس من الوجود صارا وجودنا المتعالي أو وجودنا الخالص، والخلاص الذي ننشده ونشد عليه بالنواجذ ساعة يشتد المد، النفس الأخير للغريق من تكتسحه موجات بحر الظلمات المترادفة.
اشتد أوار المعركة؛ ثلة من المقاتلين الليبيين حاصرها جحفل من الجيش الفاشستي الإيطالي.
من عادة المقاتلين الليبيين أنهم يقتحموا محاصريهم، عند الاقتحام يغني كل فرد " غناوة علم " أغنية من بيت واحد ذاكرا فيها اسم معشوقته، إذا استشهد ينقل الناجون الغناوة إلى نجع الشهيد حيث تبكي المحبوبة قتيلها.
ذات مرة أحدهم عزم على شق الحصار بآخر سهم في جعبته؛ جسده. لكن لم يكن قلبه قد عمر بعد، لم يتسن له لحظة ليختلي بنفسه، لم يختل بمحبوبة، ولج أتون العدو شاقا متراسه صفا صفا وصرخته تجلجل: ( نا خالك يا للي ما لك خال )؛ أنا حبيب من لا حبيب لها.
هذا الشهيد لم تكن قصيدة حبه غير البيت المفرد هذا.
سمعت البيت المفرد؛ ممن سمع من نساء، شابة في النجع لم يكن قلبها قد سكن بعد، منحت هذا القلب وكذا الجسد لصاحب ذاك البيت المفرد؛ عمر قلبها بهذا الساكن وسكن الجسد، كانت خليلة لمناديها حتى ناداها باريها.
البعض يوكد مخبرا أنهما التقيا، الرواية ذكرت الأسماء لكن الزمان مصابا برشح النسيان أو الغيرة لم يعد يذكرهما، لكن السارد دس حكايتهما عن عيني الزمان.
هذه المختارات هي تنويعة لذاك البيت المفرد..
( 3 )

أشار عليه رينيه شار؛
أن يأخذ الحكمة،
من أفواه الشعراء.
من يقفز إلى النار،
لا يمتلك سوى صرخته
ملجأ.
لم يتمكن من الحكمة،
لكن صرخته جلجلت.
"""""""""""""""""""""""""""""""""""""
بنغازي - ‏الأحد‏، 31‏ يوليو‏، 2005

ليست هناك تعليقات: