الأربعاء، 15 أغسطس 2012
الاثنين، 13 أغسطس 2012
شريعة الله ، أم شرع الفقهاء ؟ - صلاح نقاب
افتتاحية ميادين العدد 66-67 يكتبها أحمد الفيتوري
الأربعاء، 30 سبتمبر 2009
الأربعاء، 23 سبتمبر 2009
أحمد الفيتوري

كتاب مكتوب لأجلك خذه بقوة
ثمة كتب ترهقني بشدة لأني أحبها أكثر مما يجب وبالتالي لا أعقلها، هذه الكتب في العادة تتدفق في عروقي كالدم وأشغف بها حد النسيان؛ تحيط بي و لا أحوطها ، تقتلع عيوني من محاجرها ، ثم يصل وصلي بها حتى أحب أن يطالعها الناس كافة؛ أحبتي علي الخصوص ، لهذا أحيانا أخطي فأسلمها لمن يؤدها ، تضيع مني وأصاب برشح الحسرة الذي يخثر غيضي ، اصدر لنفسي أمرا صارما بأن لا أمنح لأحد أيا كتاب ، هذا الأمر القاطع يقطعه أول كتاب يرهقني بشدة لأني أحبه أكثر مما يجب وبالتالي لا أعقله .
ثمة كتب كثيرة أرهقتني كأنها الجمال؛ الجمال حاد الطابع يأسرك وأنت في شغف ، وبالتالي لن تنفك منه لأنك مشغوف بأسرك هذا ، فإن سلبت حريتك منه سلبت عقلك ، لهذا لن تراه لأنه فيك ، والمرء لا يري نفسه جيدا حتى في مرآة؛ اسواء أنواع النقد.. النقد الذاتي ، فإنه نقد محابي لا يري شائنة فيك، مدعي متملق هذا النقد الذاتي.
كما لو كانت مرقونة علي صفحات قلبك مثل هاتيك الكتب، التي كتبها من كتبها بمداد الروح؛ روح ملهوفة عاشقة تكد وتشقاء، وتغلب ذلك بتؤدة وتأني المودة التي ليست علي عجل من أمرها ، كما لو كانت تكتب إلي روحك رسالة محب، تشكلها نأمة نأمة وتنسج بنول جاد ومثابر وبنفس خصبة ، وفي طزاجة فلاح مقبل علي حقله في صبح ندي .
هذه كتب ترهقني بشدة لأني أحبها أكثر مما يجب وبالتالي لا أعقلها.
كعصافير طليقة تحلق في سماء الروح ،كالنحل ترشف عسل الروح، كدود القز تسلك وتغزل حرير الروح .
كما أنثي ناضجة يتفتق سكر خوخها وينساب في النفس كما النفس ..
كما أنثي تتغنج أنوثتها دون دراية منها و لا قصد .. الكتاب يأخذك بقوة ، هذا هو الكتاب تأخذه بقوة
هكذا كتاب مكتوب لأجلك . هو كما الشعر وإن كتب في غير ذلك ، منثور ، متفكر ، متفلسف ، مسرود ، منشغل بموضوع ، في كل هو كتابك ويأخذك إليه .
أي امرأة تكون لك غصبا عنك وعنها وبإرادة أنوثتها اللامرئية، كذا كتاب خصيب يبدو كنهه عصي رغم تمكنك منه وتمكنه : أبدأ القراءة قلقا متوترا ما يبدو لي أن ما أطالعه مرهق وسوف أتركه ، أنغمس بإحساس يتوكد مع كل صفحة أني تاركه ، مع كل صفحة ينتابني هذا الإحساس لكن رغم ذلك متورط وهناك ما يتواطاء فيّ، لست مسلوب الإرادة فالمحب مريد بإرادة الحب، أو كما الحدس المبني علي إرادة وعقل ولكن غير مكشوفين، أو كما العقل الباطن فهو عقل في الأخير.
كتب كهذه تمتع العقل وتأجج النفس وتوقظ الرغبة في الحياة، لأنها وإن كانت بحثا في مجال عقلي مكتوبة بروح الفن ، الفن الذي يجعل للنص حفاف عدة ويبعث الشفافية والرقة في الموضوع الحاد الصرامة، فكأنه يؤنثه؛ يبث فيه روح السلاسة وعذوبة الروح الحية النشطة.
تغدو كاتبه وتنساب فيه في محاورة يتكلم صمتها وينطق مسكوتها ، الإثارة فيه تتجلي في الروح القلقة التي يبثها فيك ، ثم يبدو كحلم أوله صعب المراس وأخره استرخاء اللذة، أو كما النبيذ المعتق المرّ المذاق المسكر حتى الثمالة.
مثل هذا الكتاب كمعشوقتك وجودك فيها ،كما وجودها فيك، لا تكتمل إلا به.
ليس بدعي و لا متملق فحكمته في غير الحكمة ، بساطة حتى حافة السذاجة حتى تقول أن بمكنتك كتابته علي حافة كرسي وطاولة وفي مقهى صخب، مكار كثعلب يأخذك بعيدا عن قريبه ثم يسلمك نفسه، كامرأة عاشقة تكون طريدة لتؤجج الرغبة فيها، وتنفك وتسلمك زمامها من كانت كما الفرس الحرون، هذا الكتاب يمنحك الشكيمة لتشكم لهفتك ولتأخذه بقوة ولكن في تأني الممارس الخبير.
يقول : أنا كتبت لأجلك
خذ الكتاب بقوة، وإن ترددت سيأخذك بقوة، فالتردد لا يليق به و لا بك، وكما في التسرع الندامة في تأني المتردد الهلاك. التهلكة أن تدفن هذا الحي في جبانة النفس الكسول.
يقول : اقرأ
تقول : لست بقارئ
يقول اقرأ، أنت القارئ ولكل قارئ قراءة.
ثمة كتب ترهقني بشدة لأني أحبها أكثر مما يجب وبالتالي لا أعقلها.
ما أحبه أطالعه بالروح ويسري فيّ حتى يغدو كدمي ، حينا أجده لساني وحينا شغفة من شغافي ، حينا أنا وإن كان آخر فأنا هو الآخر، فهذا الكتاب جسد من أحب أطالعه كما لو كان يطالعني ، أنزف فيه عطر جسدي ومن عطره أستمد عطري ، كل جهد هو باعثه وكل لذة أغمره بها تغمرني ، في بحره أطلق نفسي فتعوم دون كلل و لا تعب فهذا الكتاب يبادلني الحب.
هو المانح مجسد الروح؛ كما جسد من تحب ينسل منك تاركا فيك الروح.
هو الوصل ما تبحث عنه كثيرا وبعيدا فتجده في الوريد .
هو الكتاب ما كتب كي تكون وما تقرءاه كي يكون.
هو المنثور في البياض النفيس في النفس الشعر الذي علي قارعة الطريق.
هو علة لمعلول هو أنت .
هو ما يمل وما يملي عليك الشغف فيكون الملل زبدة الروح، لا يشبع من جوع و لا يروي من عطش .. كما النار : هل من مزيد ، يرهقك فتعاوده لا يمكنك مفارقته ، تريده وان تعبت وتتلهف إليه وهو في سريرتك يقاسمك السرير، بين يديك لست مالكه ولست مملوكه ؛ أنت به الطليق .
فالكتاب الذي لا يؤنث لا يعول عليه أو كما قال الشيخ ابن عربي .
مفتتح الكتاب كما نهد طالع من حديقة جسده يباغتك : لست طائله إلا بكد وكد، ثم يسلمك زمام نفسه ولكن كفرس حرون لا يروضها إلا المراس الحثيث، فأشكمها من عروة الرغبة وشدها إليك هي المريدة وأنت المراد . كن علة الوجود كل أنثي من خفاء فخذها من الخفاء لتتجلي، أمسك بزمام الكتاب ولا تتراجع ، في كتاب كما في بحر؛ الشاطئ مستهل لا تساهل فيه ولا عاصم منه ، الشاطئ موج يجرف كل تحوطاتك فلا تتحوط وأغمره من كل فج غمق بروح الرغبة العارمة.
كن سيفا مسلولا يكن طوع أمرك .
كل كتاب أنت محكه كما كل كتاب محكك؛ ثمة كتب ترهقني بشدة لأني أحبها أكثر مما يجب وبالتالي لا أعقلها. ادخل فيها حتى التيه؛الكتاب متاهة ليس عليك فك لغزها و لا فك أسرك ، أعجنه وأجعله عجينك، ستأكل الرغيف الطازج بلهفة الطالع من متاهة من به مس من جنون ؛ الجنون التي أحييتها بمائك فلا تجعل الجن يشل الركب كن كما الطود ، اجعل من الكتاب / المتاهة طود نجاتك.
زبدة الكاكاو تدعي الشوكلات ولونها بني مذهب، لذا الكتاب ما يمكث فيك أما ما يذهب جفاء فليس لك، دعك منه ما ينفع مكث.
الكتب هذه كما النساء يركضن مع الذئاب، لكنها تركض إليك، أو كما القراءة جهرا أو سرا هي قراءة محصولها تجنيه بتؤدة، تأتيك خفافا وتسكن محفتك، أو كما مرة كتبت ليف اولمن في مذكراتها – أتغير- : إن أفضل ما يمكن أن يرافق النجاح هو معرفة أنه ليس شيئا يتاق إليه . أو كما قالت ..
الجمعة، 11 سبتمبر 2009
الأسطى في عين موبايلي
سأحاول هنا أن ألعب دور المصور حيث تسنى لي في لحظات أن أتخلي عن مسئوليتي في لجنة مهرجان الأسطى في دورته الأولي ، وهكذا كنت التقط صوري بجهاز موبايلي ، كنت كمن يهرب مما يثيره مهرجان كهذا من عواصف – كالعادة ..
خاصة وأنه لم تعد تستثيرني لعبة سلم الموسيقي هذا ، فالمشهد بات مكررا هذا يطلق وهذا يشد ، هذا يقول الشيء ويقول نقيضه . وهذه الزوبعة لا تنتهي إلا لتجر معها زوبعة .. كنت أهرب من هذا الفلم الهندي الذي يستدر الدموع و لا ينتهي ، كنت التجئ إلي جهاز الموبايل حين ألتقط أنفاسي مراقبا الأصدقاء والزملاء في لحظاتهم الحية والعفوية .
إذا هذه اللقطات الطليقة كانت كما عصافير حية تلتقط بعين الحب ما ترى..
وإن لم يكن أحد أخر في مجال عين موبايلي فبطبيعة الحال لا يعني أنه لم يكن في عين المكان؛ عين قلبي ، لهذا سيجد لي كل من لم أذكر العذر لأنها زلة موبايل ، وكل زلة مغفورة ، فالتحايا والعرفان والاعتذار لهم جميعا أحبائي .
شاعرة في عفويتها أسرت الأسطى، محنكة وبدربة العصافير تتنقل بين الأمكنة متخذة زاوية كركينة ترصد وتطلق عصافير مداعباتها الحرة كما نزوة عابرة ، لم تتكيس الرصانة ولم تلتحف العبث لكنها بثثت جذوتها، كانت كما تحب أن تكون لهذا كانت كما لو كانت بنت هذا الزمن التي لها وشائج مع درنة ، ولها مع آل الأسطى التاريخ ، في خفة كائن لا تحتمل نشرت روحها في المكان.
وكأن كل من كان هنا – في بيت درنة – لا يعرفها منذ زمن وحسب ولكن يعرف أنها في بيتها ،
هكذا حواء القمودي وهي تفرش أوراقها علي محفة ركح المسرح الوطني – درنة ، في ليلة الأمسية الشعرية ، الشاعرة التي تصطاد اللحظة كي تكتب قصيدتها حية طازجة وطفولية معا .
الضحكة هي قناع وجهه الذي يجعل منه ملك المكان غير المتوج ، كان في ما سبق قد حاول التمثيل، لكن ضاق به الركح ، فمكانه مسرح الحياة ، لهذا نكه المهرجان بذائقته ذات النكهة الضاحكة، جعل المكان عبقا به من حرفته التهريج هذا الجاد حتى الصرامة.
لولا رضا بن موسي كان الأسطى كئيبا
لولا هذا المهرج الشفيف لما كنا جادين كما يلزم
لولا بن موسي غصت حلوقنا بالجدية
لولا هذا الشاعر ما تسنى للشعراء أمسية
لولا رضا
لولا رضا ما كنا راضين عن أنفسنا في رحاب الأسطى .
هكذا سميناه عبد النائم ، كنا معا : يوسف الشريف ورضا بن موسي ونوري عبد الدائم وأحمد الفيتوري وفتحي الشويهدي وسالم العوكلي والأخيران تركانا في الليلة الأخيرة دون مبرر- في بيت في سانية عند مدخل درنة قرب البحر، هكذا رفيق ليل كان ، أضحي ضحية نوم حتى الضحى ، متسربلا بالكسل متخذا من الأسطى فرصة كأنه لم ينم ولن ينم ، متحمسا في غير ذلك تحمس الجالس في التربونة، كما لو كان المتفرج الوحيد الذي لولاه لما تم المشهد .
نوري عبد الدائم – الممثل والمخرج المسرحي والصحفي – أطلقنا عليه لقب عبد النائم بجدارة يحسد عليها ، حيث علي محياه ابتسامة دائمة وماكرة لأنها توحي في كل لحظة أنها ابتسامة خاصة بك ، لهذا مميزا كان في مكان الأسطى الذي كان في ظله؛ الظليل .
كما يقال لمطربي الراب الشاب خالد مثلا يمكن القول الشاب يوسف للراب : مهرجان الأسطى ، في الافتتاح في بيت درنة حضرت الحضرة فحضر نقيب المداحين في زاوية عيساوية أو أسمرية ، منذ اللحظة الأولي وكعادته عفويا طليقا، لا يقيده قيد الرصانة ، دون أي ادعاء أو تملق يلتقي اللحظة ويسرح في المكان كما لو أنه ولد فيه وعاش عمره المديد بين جوانبه .
يوسف الشريف من عيوبه أنه محب لمن يحب حتى الثمالة، لهذا بدأ في باحة الأسطى كما لو كان بيت درنة بيته وأن الجمع ضيوفه .
مسترسلا في وجده انساب في الحاضرين ، لو أنه لم يحضر تغيب الأسطى عن نفسه ، كان لا بد منه ملح الطعام هذا المدعو يوسف الشريف كي يكون للأسطى طعمه الحاذق هذا الذي استطعمه الحاضرون.
الفنان كما ظل الشجرة الوارفة لا يراه الناس ؛ لكن الحصيف منهم لا يري الشجرة إلا من ظلها الذي هو الوارف .
كذا كان ليزي فنان المزمار الدرناوي الحصيف ، لم يتغيب عن بيت درنة لكنه كان الغائب في ظل الأسطى ، ليزي الذي كان مزماره يسكر محبي خمره أو عزفه ، كان العزوف عن الضوء في حضرة الأسطى ، يشع داخله في هذه الحضرة ، يشع صمته في نفس الزاوية وعلي نفس الكرسي
هو المسكوت عنه في كل ألحان الأسطى.
أسرني هذا الرجل الذي بأسره حقا يجلس وحيدا.
لا يكل و لا يمل، يفعل كل شيء ، صغير القوم عند العمل ، خادم الأسطى ، مدير البيت ، مدبر الأسطى ، في كل مكان وكل الوقت كما لو كان منه عدة مستنسخين.
هو سالم العوكلي كما لو كان ليس من آل الثقافة ولا الشاعر..
تمنيت لو رأيت هذا الرجل زعلانا أو برما
أو رأيت مسوح المدير تلبسه
لقد شلح نفسه ولبس مسوح الأسطى كي يكون الخادم ؛ فهل حقا أن خادم القوم سيدهم ؟ ،
كان الخادم لأنه يحب ما يفعل، وكل محب في حضرة حبه خادم.
هذا المحب تجلل بالأسطى لهذا كان الأسطى.
يعرفه الجميع و لا يعرفه أحد ، كما صمت الكمان الذي يهدر فينا ، وكما جبل لا تهزه ريح ، لا يفعل شيئا يري لأنه يفعل ما لا يري ، ينجلي في خفاء ، ينحت في المكان وجوده كما نقش أو نأمة في سجاد فارسي ، يناء عن الضوء كي لا يري ما يفعل أو كمن يرسل حبه في سر عن محبوبة ، هو السر الذي يعرفه كل أحد كما الحضور الغائب عن النظر ، عند الأسطى لا يغيب عنه وإن بدأ كما الموجود اللاموجود.
رجب الهنيد هذا الرجل لم يستطع أحد إلا أن يحبه كان المحب للجمع في الأسطى.
لو لم يحضر لحضر غيابه ، هو في مثل الأسطى لا يغيب ، من لا يتمكن من الغياب عن الأسطى كان في تعب لهذا أتعب تعبه منه كي يكون في الأسطى ؛ فيه قلق المتنبي الذي أقلق قلقه منه ، لم يتجلي كعادته لكن لم يسمح للتعب أن يرهقه أو يبعده عن قلب الأسطى .
لقد نحت في قلبه أن يكون كالأسطى في المكان؛ ينحت وجوده في المكان ، وعند الحضور الحاضر.
لهذا إدريس المسماري حمل ما لم يحمل الجمل كي يكون في عين المكان وفي الوقت .
دأب أن يحاور ويتحاور مع الأسطى كما عادته ، أحب أن يكون في عين المكان في جدل بيت درنة الثقافي ، في المتن كما علي الهامش يطلق ابتسامته كي يفسح الطريق لأرائه ومجادلاته ، متنه البلاد في أطيافها ، طيفه يحضر في اللحظة وفي المكان ، سرح في الأسطى فالبيت بيته والمجال مجاله والتفاصيل تفاصيله ، لهذا كان يتابع بدأب كل ما يحدث مشاركا في تشكيل لوحة الحدث، وفي مثابرة نسج من ذاته لوحة المكان .
حسين المزداوي لا يلحقه كلل كي يبث محبته للآخرين، فالآخر عنده هو أنا .
يوسوس في صدور المكان خفة لا تحتمل وبأسره يمشي الهوينة، يندس فيك بسلاسة ضحكته العابثة، هذا الخليع يخلع رصانتك وادعائك كي تكون أنت أنت ، حين يكون في الأسطى يكون هنا وهناك ، لم أراه في مكان لأنه كان في كل المكان ، يشخبط ويلخبط لوحة المكان كما لو كان يرسم كاريكاتير، ليس مع أحد لأنه مع كل أحد ، هو السهل الممتنع يشكل المكان بروح يقظة وهو السارح في خلائط نفسه ، يضفي علي المكان عبثا جادا لهذا لابد أن الأسطى قد تململ في قبره لأن فتحي الشويهدي قد ورث روحه وإن في طفولة آسرة.
ليبيا يا نغما في خاطري كانت الأسطى، فالأسطى محمد نجم أراد أن يعود في يوم الأسطى هذا ، لهذا كانت ليبيا نغما في خاطر الأسطى في المسرح الوطني – درنة.
الثلاثاء، 26 مايو 2009
أحمد الفيتوري

التعالي وامتلاك الحقيقة وتسفيه الآخرين والتقليل من قيمة تجاربهم والاستخفاف، ليست هذه بحاجة لسلطة؛ أيا كانت هذه السلطة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو فكرية ، الأمر لا يحتاج إلا اعتدادا مبالغا فيه بالذات الذي بمكنة أي أحد أن يصاب به ويصيب الآخرين به .
ولهذا الرشح أسباب عدة للإصابة به؛ فهو كما أي أنفلونزا معدي ووبائي ؛ ومن أسبابه البينة الأزمات الذاتية والموضوعية ، فالذاتية منها أسبابها سيكولوجية في الغالب، ومدعاة ذلك أحيانا موضوعية؛ كأن يعرف شخصا ما القراءة والكتابة في جمع أمي أو يعرف لغة أجنبية لا يعرفها هذا الجمع ، وعلي هذا المستوي الذاتي لا يمكن حصر أسباب ذلك، فمنها حتى ما هو إكلينيكي يعالج في المصحات، وكثيرا ما يكون مرضا مزمنا كجنون العظمة مثلا .
لكن علي أي حال لسنا هنا بصدد حصر مثل هذه الجنون، حيث بمكنة أي راغب العودة إلي أي مكتبة مختصة.
أما الموضوعية فيمكن إرجاعها عند الباحثين لأسباب يحددها منهج البحث ومرجعيته، ومنها علي سبيل المثال الأزمة الدولية الحالية، التي نتجت عقب تغير النظام العالمي وانهيار نظام القطبين، ثم خروج ظاهرة الإرهاب والتعصب، ولصق هذين بالمسلمين والإسلام نتيجة لحوادث ظاهرة هنا أو هناك، حتى ظهر ما سمي بفوبيا الإسلام كوسواس قهري تبثه الميديا كوباء وتشحنه أحداث كثيرا ما كانت رد فعل ناتج هذه الفوبيا.
هذا الحدث الدولي أحدث اضطرابا فكريا وتوترات نفسية وتغضنات علي أرض الواقع ، حولت العالم إلي ساحة معارك ملغزة؛ يغلب عليها التكتيكات الآنية الظاهرة ، فيما غابت الاستراتيجيات عن الناس الذين حولوا إلي متلقي منفعل ومفعول به .
هذا مثل جانبا موضوعيا، صاب كافة الناس المنفعلين بما يقال لهم، الواقعين تحت طائلة أكبر مؤسسة أنشئت في تاريخ البشرية : الميديا الحديثة التي تطاولك في عقر دارك أو كما يقال .
إذا الموضوعي أيضا معقد كالذاتي وإن أمكن دراسته في المعامل البحثية وبالعقول العلمية وبالصرامة الذاتية وبالتعفف عن الصغائر والانتباه للقصور البشري .
وإذا حق لنا النظر في واقع الحال البين لنا والذي له علاقة بمعيشنا، فسنتخذ مثالا هاما نموذجيا يحاصرنا فيما نطالع ونقرا يوميا، حيث نصفع كل يوم بمتنطعين لقضايانا هم متعصبون يدرون أو لا يدرون وهم يصمون مثلا العرب بالتعصب والمسلمين بالتخلف والليبيين بالقصور وبنخبها بالجهل .. الخ ، وهم طبعا مصابون لسوء الحظ بكل هذه الملوثات كونهم مسلمين عرب ليبيين ومن النخبة مثلا.
كي ينأون بذواتهم يتعالون عن موضوعهم فيصدرون أحكاما قطعية وجزافية منها :
كل النتاج الفكري وكل البشر المنتجين لهذا النتاج قاصرون، من هذا يبدأ مسارهم من النفي القطعي للغير، ويعدون هذه المجتمعات الأمية طفولية وبحاجة لرعاية هم الراعي في تقديرهم لأنفسهم ، و لا يألون جهدا في نقودهم للسلطات السياسية الحاكمة المطلقة التي تحول المواطنين إلي رعايا .
ورغم أنهم بشر وأنهم محدودي الإطلاع وأن معارفهم مهما كانت لا تتعدى أنوفهم ، رغم ذلك فإنك تجدهم بخط قلم غير مبرأ يصرون علي أن ما تم قبلهم كله بحاجة للحذف ، وفي أحيان أخر يصرون بعناد طفولي أنه لم يكن ثمة شيئا قبلهم .. ولهذا لابد من الصفر.
ومن عناصر الإثبات لهذه الحالات المتطرفة أننا لا نجد لما يكتبون أي مراجع كانت ، خاصة المحلية منها ، وبهذا وهم يعيدون إنتاج ما أنتج يظهرون في شكل موضوعية زائفة .
إن المرجع الوحيد المسكوت عنه هو أن الذات هي المنتجة؛ فإن الحرير تنتجه دودة القز هذه وليس لورق التوت علاقة البتة .
ومن طبع الحال أن هذه الذات / دودة القز نظرية الطابع؛ باعتبار أنها المتفرج الوحيد في تربونة الواقع الذي هو ورق التوت الزائد ناقص وجوده .
لا أريد الدخول في تفاصيل هذا المشهد الجنوني؛ لأن تفصيله تمنح فرصة للمزايدات التي هي من طبع مجنون العظمة. فهذا المتفرج الوحيد لا يألوا جهدا عن أن يكون مبرزا ولهذا يتمحك وينتهز كل الفرص كي يكون في الضوء . و يستخدم كل الوسائل من أجل التشويش كي يكون في قلب الصورة ولكن بعيدا عم ما يحدث.
وهذا الجنون يجعل المرء يعيش رهابا من كل ما يقوله ويفعله الآخرون، مما يستتبع ذلك دون كوشتيه عالية في نقود لا أول لها و لا أخر، هذا فيما يخص من يسهل نقدهم و لا يستتبع ذلك أية فاتورة من الجدية، وتتوفر كل الحماية والأمان في حال تسفيه نظرتهم والاستخفاف بأفعالهم .
وحال التناقض هذا من رهاب ومن جرأة وقحة، مرده أن جنون العظمة يجعل الشخصية مضطربة وموتورة .
وهذا منطق أعوج بينّ، ديدنه التخوين وتتفيه كل ما لا يروق له ، وهو من جهة أخري متزلف وانتهازي الطابع، يتخذ من كل وسيلة ممكنة سبيلا للتبرير فهو منطق تبريري بالأساس ، إنه التردي الذي يمدح التردي ، ومن فضائله أنه كما ديك الزبالة التي كلما زادت أتاحت له أن يرتقي القمة كي يؤذن بانتشار وازدهار الخراب .
لا أحد قبله تمكن من السؤدد ولا أحد يملك الحقيقة ، لهذا يرتع في ساحة الصغار محرضا ودافعا لتسفيه الآخرين ، مصادرا كل حقيقة لا تروقه ، معتبرا كل المشاريع التي بدأت قبل أن يولد قاصرة وقام بها نفر من المعتوهين .
السبت، 7 مارس 2009
أحمد الفيتوري

تحية طيبة وبعد
كنت اطالع بنهم كتابا عن اسطنبول للكاتب اورهان باموق ، هذا الصباح من هذا اليوم من رمضان الشهر الذي يدوزن حياتي؛ حيث علي غير العادة افيق مبكرا، لعل ذلك بحثا عن العزلة ما تستوجبه المطالعة والكتابة كما تعلم .
فجاءة ، وليس للفجاءة من تعليل مباشر، وجدت نفسي قدام جهاز الكتابة الكومبوتر اسطر لك هذا :
ما العلاقة بين اسنطبول والمفتي دون الدخول في متاهات التفصيل ؛ ما خطر علي بالي هو المشترك بين ما تكتب وما طالعت عن اسطنبول، حيث يشير الكاتب والكتاب الي مساءلة في غاية الاهمية وهي الفصل بين ما تستلزمه السياسية وما تستوجبه الكتابة.
لقد ظهر لي فيما اطالع ان الكتابة رأسية بالضرورة، أركيولوجية ( شغل حفريات)، وهي أيضا كالارابسك؛ نمنمة وتفاصيل ودقة والتفات للحواشي والهامشي وهذا الاهتام بالجزيء مرده الالمام بالصورة.
لقد طالعت ما تكتب محاذايا أو مجانبا أو أحيانا- في الفترة الأخيرة- عن بعد ، ولقد وجدتني علي بعد من أخر انتاج؛ فالمسألة التي تتناولها الكتابة في كتب عدة بدأت أفقية وتعطي الصورة في مجمل مقتضب، كاللقطة البعيدة لا تجسر علاقة حميمة بالمكان ولكن تعطي تشريحا أو بلغة الطب تعطي الهيكل العظمي الذي هو واحد في كل الاحوال .
وهكذا شغل هو انطباع مختزل وعابر في حياتنا، قد يكون هام عند مؤرخ يبحث عن مؤشرات سببية لنتائج بحثه.
لكن ما تؤمي به كتباتك في أولها ما يمكن تؤيله بالخارطة المفصلة للموضوع، فكأنه سيرة ذاتية للموضوع في تقديري ، لهذا فكتاب كهدرزة بنغازي ودكان الشائب هما كتابا الموضوعة الواحدة ونسج علي المنوال ، منوال المدينة الحية التي نبضها ما يجس من خلال تفاصيلها التي يمكن جسها لكن لا يحاط بها .
لو تابعنا هذه الكتابة في غير هذين الكتابين، سنجد أن الروح الاصيلة قد تفتت في أغراض أخر ليست من جنسها، لأنها وان تماست معها لكنها شكلت قطيعة، ففي كتابي بنغازي وقد يكون في سهاري درنة لم يكن الغرض من الكتابة مستهدفا في ذاته كما الكتابة، ولكنه من نسيج الموضوعة، وحتى علي مستوي بين وظاهر تبدو الكتابة الاولي في علاقتها بذات الكاتب أصيلة.
لكن في كتب مثل غمق زلة وأيام طرابلسية هناك ينفلت الموضوع من نفسه ويتبدد في أغرض خارجة عنه .
بمعني أن ما كتب عن بنغازي المدينة وبشكل ما عن درنة هو التاريخ السري للمكان الذي مستودعه الذات، وهنا تتجلي الاضافة والاثارة والمتعة المتحققة في التماهي بين الكاتب وموضوعه أساسا، ويبدو تجنيس شغل كهذا عصي علي الباحث كما هو ليس من مشاغل الكاتب .
لن اقفز لخلاصة بينة أنك ابتعدت عن موضوعك فيما بعد، وأن المؤرخ قد كبلك بحيثيات ليست من بوادي شغلك، ولن اصدر حكم قيمة حين ارصد أن الصدي الذي انتجته الكتابة الاولي غير الاخيرة .
في كتابي هدرزة في بنغازي ودكان الشائب يتبين أن ثمة طبقات تم كشفها بحفائر علي سطح ذاكرة موشومة بالنسيان، وظهر أن نسيان كهذا هو أيضا وشم في ذاكرة كهذه . لقد تم مس الخيط العاري في كهرباء جسد المدينة التي تبدو كما جثة صابها الوهن، وأن الرصد استخرج حالة موات ، فهذه الكتابة كأنها قشع واستبصار وهذا من لزومه الاستدامة في البحث حيث أن التمثال يكمن في الصخرة وأن المنسي في الطين .
لا يعني هذا كما يمكن ان يخطر للبال في الوهلة الاولي، أن الكاتب ملزم بهذا عن ذاك، لكن البين ان الكتابة تلزم هذا عن ذاك، فالنصوص المعنية هي التي تبدو كما حفر لم تبان تضاريسه بعد ، وأنها تؤشر إلي كونها كشف اولي .
النهج يلهج بأن فصاحته لم تتبين بعد وأن ما ظهر من الجبل هو غمغمة توميء ولم تفصح .
لذا أعتقد أن هذا لسان حال الكتابين الاولين وتابعهما سهاري درنة، فيما غمق زلة وأيام طرابلسية انطبعات مؤرخ موصولة بكتابين ظهر منها : هذا الوطن الذي يسكننا الكتاب الذي هو بيان في الهوية السياسية أكثر منه بحث في التاريخ ، ويستمد جدارته من هذا .
لكن الكتابين الأولين ليسا من البحث في شيء و لا يرسما خارطة لأي طريق؛ انهما أركيلوجيا النفس ان شئنا الابتسار، أو أنهما اشراقة المكان في الذات الموصومة به، فما يتجلي هو الخفي هو صيرورة الذات في مكان بعينه.
وما يستطلع من بساطة ظاهرة في النص توكد المستويات المتعددة لاوجه القراءة أكثر مما توكد سهولة النص وشعبية تداوله، وكذا روح الصحفي مؤرخ اللحظة الظاهرة تستحث القارئ علي غير العادة: أن لكل قارئ قراءة ، فكما ظهر من ردود أن الكتابين أثارا زوابع همها التفاصيل وليس المجمل، وهمها الخاص بعينه وليس النص .
فالنصوص الماثلة تثير الغبار وينبثق منها عجاج تعج به الوقائع : الواقع المعاد تشكيله بأدوات ذاتية محض كثيرا ما نظر لها نظرة عجولة فضائحية مشغوفة بصحف الحوادث.
أما تضاريس الروح التي تبان في هكذا نصوص فإنها توكد ضرورة الحفر بإزميل مضاد حيوي لرشح العجالة، و لا يصابه العطب من ردود الافعال.
هكذا فإن كتابك الذي ظهر في جزئين: هدرزة في بنغازي ودكان الشايب صفحة من كتاب لم تكتبه بعد، لكن هذه الصفحة تبدو كما خطاطة بارزة المعالم لهذا الكتاب.
ولم ار فيما طالعت تاريخا اجتماعيا أو بحثا في التاريخ أو وقائع .. الخ مما ووجه به الكتاب من مناقشات علي سطحه، الذي أظهر بعض من المعلقين عليه كقطة علي صفيح ساخن؛ شغلها التصحيح والتنويه وحتى التلصص من الثقب الذي تجسد في الباب.
ان أهم ما تثيره كتابات كهذه النقصان لأنها كتابة حياة في صيرورة، فالماضي فيها حي يلهث في النفوس والحاضر مسرح يعج بالماضي فيما المستقبل يدق الباب علي عجل .
من هذا رأيت الكتاب الذي نشرته في جزءين فاتحة وفاه مفغور كفويهات بنغازي هي مداخل لكنها ليست المدينة، المدينة كبنغازي حفريات تكشف عن طبقات جيولوجيا متحركة، والكتابة عن الزلزلة التي تكون المدن نمنمة تعيد تكرار ما تغزل في مسدة تظهر المعتاد ما يخفي المتفرد .
هكذا هناك فرادة متكررة تلزم النسج علي المنوال كي تظهر هذا الفرادة ، ما يتجسد في تفاصيل توضحت في الكتابين – اشرت اكثر من مرة أنهما جزاءن من كتاب واحد – تأخذ بلب الموضوع كما تأخذ بلب النفوس عن الموضوع وتدك بها في حمي التفاصيل .
ولن افصل ما فصل في الكتاب أو في الردود من شغب التفاصيل، التي هي المدينة أو الحياة مشروطة بتجمع كل فرد فيه مفرد بصيغة الجمع.
هكذا كتابة همها المعمار البشري وما العمارة وعمار المكان إلا تظاريس للروح، فهل بمقدورنا رسم هذه التضاريس دون حفر مستدام، حيث أن اتكأة واحدة لا تكفي لرسم المشهد ما يلفه عجاج الحياة، وحيث ثمة خطوة في الاتجاه .
ثمة في الكتابين حميمية مماحكة مع وقائع تبدو مبذولة وعلي قارعة الطريق، واقتناص صائد غزلان فارة، وصب مادة صلدة في حفائر دعكها النسيان ، وما يمكن اعتباره من نافلة القول هو الحجر الاساس في الكتابين، لأن التفصيل هو الثوب الذي يخرج جسد الحكاية من نواة المسرود اليومي والمعتاد ،واعادة اعتبار للمبذول والمستهان به في المعيوش، وهكذا من اللزوم القول أن شيطان التفاصيل لديه الكثير، وأنه يكمن كحالة ابداع تستعيد ما استعيض عنه وتعيده حيا يشغل الناس كما لو أن ما كان سوف يكون.
وهذا ليس نوسوتولجيا المكان ووقائعه، لأن استعادة التمشهد استعادة للحي من الميت ، فليس كتابة كهذه خارطة لتضاريس جبانة وشواهد قبور بقدر ما هي تشديد للضوء كي تستبان الظلال .
والسلام مني
بنغازي : الاحد، 07 سبتمبر، 2008
الأحد، 22 فبراير 2009
أحمد الفيتوري

صباح مساء
تفتح باب الروح
تبخر اركان البيت
وفي سريري تندس قهوة
تنهض جسدي من وهن
وتوقف سقفي
علي فخذين من رخام
كل ما مستها
نار العسل تلذعني
وتشعل ما خمد.
علي نارها تعدني عشائها الأخير
تجعل مني زبدة كاكاو لشفتيها
تحبط مؤمراتي الصغيرة
للاستلاء علي أخر ما تبقي لي
أرضع دهشتي
وأندهش من نهديها
ما ينبثق في أرض يدي
سوسن كحلي
ولوز ولبان وقرنفل رمان
شمس حارقة
تذوب كريم الغيوم
اتوجها ملكة الكروم
وأعصرها بأسناني
كهمجي مهتاج
أسفح دمها جرعة جرعة
حتى يتداعي سقفها
ومن سمائها
تتساقط نجوم خمرها
أهزها
أجنيها ثمرة ثمرة
صباح مساء
هي

علي نار هادئة
مشتعلة
بكستناء هائج
مجمرة النار
تدسني بين أشيائها
تعجن توقي خبزا
وتلتهمني علي عجل
تعيد صياغة لهفتي
وكطائر أعمي اصطدم بسماء ابطها
أسقط في عشها
اتلمس
هنا ما ليس هناك
هنا نار الله الموقدة
هنا لا حول لي و لا قوة
هنا انبثق منها
أخذها بتؤدة ملهوف
أعصر تفاحتها
كي أطرد من الجنة
ومن الناس
كي التقيها عند حافة الشهقة الأولي
أصابعي فلفلها الحار
وجسدها صلصال